قمنا بنشر ورقة الموقف تلك في تشرين الثاني ٢٠٢٣. سعت الورقة إلى جمع وتلخيص الادعاءات والشهادات التي تراكمت حتى ذاك الوقت في الحيّز العام، وأثارت شكوكًا حول حوادث عنف جنسي وجندريّ وقعت في هجوم حماس في ٧ تشرين الأول. من حيث خطورتها وحجمها، كان من الممكن أن تشير هذه التقارير إلى احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. لقد كان الهدف الرئيسي من ورقة الموقف هو التأسيس لدعوة لإجراء تحقيق معمّق في هذه القضية من قبل أطراف مؤهّلة ومستقلة. في الورقة شدّدنا على أننا لا ندّعي تأكيد أو دحض ما ورد فيها من إفادات وشبهات أو أننا نقدّم معيارًا قانونيًا، وإنما نعمل على طرح الموضوع على جدول الأعمال العام، وندعو إلى استقصاء مؤهل، وإلى تعزيز العمل على إتاحة العلاج المهني للضحايا المحتملين بشكل فوري، وتقديم علاج موائم لطبيعة الضرر الذي لحق بهم/ن.
باعتبارنا منظمة تعنى بحقوق الإنسان في مجال الصحة، فإن من واجبنا أن نقوم بالتنبيه دائمًا عند الاشتباه في حدوث انتهاك خطير لحقوق الإنسان بشكل عام، وعندما يكون الأمر متعلّقًا بالحق في الصحة وفي القضايا الحساسة مثل العنف الجنسي على وجه الخصوص. إن لهذه الأمور عواقب وخيمة لا تشبه أية عواقب أخرى على الصحة الجسدية والنفسيّة للضحايا والناجين/ات وأسرهم/نّ. كذلك فقد رأينا حاجة ملحّة في النشر نظرًا للخوف من تعرّض المختطفين والمختطفات لدى حماس لتهديدات مماثلة، وكان التطرق إلى ذلك بمثابة زيادة ضغط لإطلاق سراحهم/نّ. في نشر ورقة الموقف، كان هناك أيضًا رسالة واضحة للضحايا السابقين والضحايا المستقبليين: هناك من يصغي إليكم/ن ويصدقكم/ن. وتلك رسالة ضرورية، نظرًا للميل – المعروف لدى الجهات المهنيّة – إلى التشكيك في شهادات ضحايا الاعتداءات الجنسية.
يجب التأكيد على أنّ منظمة أطباء لحقوق الإنسان ليس لديها ولم يكن لديها لا القوى البشرية، ولا الوسائل ولا الأدوات المهنية اللازمة لإجراء التحقيق الشامل والمؤهّل الذي طالبنا به في الوثيقة. يتطلب مثل هذا التحقيق إجراء مقابلة مع الضحايا والشهود، فحصٌ للأدلة الجنائية وغيرها، ومرافَقة مهنية حسّاسة قادرة على توفير العلاج المناسب كي لا تكون هناك مخاطرة في التسبب بصدمة أخرى للضحايا والشهود. من خلال نشر الوثيقة، كنا نأمل في تعزيز تحقيق مُعمّق وشامل كهذا.
إن دعوتنا، ودعوة منظّمات وهيئات أخرى للتحقيق في شبهات ارتكاب عنف جنسي في الهجوم، أدت بالفعل إلى إجراء تحقيق من قبل هيئة مهنيّة – فريق بقيادة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، براميلا باتن، والتي تشغل حاليًا منصب الممثل الخاص للأمم المتحدة المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع. كانت مهمّة الفريق هي جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالعنف الجنسي في ٧.١٠.٢٠٢٣ وما بعده، والتحقق منها. نشَرَ هذا الفريق تقرير النتائج التي توصّل إليها وأكد أنّ "هناك أساس معقول للاعتقاد بأن العنف الجنسي في سياق النزاع قد وقع في عدة مواقع في غلاف غزة، يشمل ذلك الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي في ثلاثة مواقع على الأقل". إضافة إلى ذلك، فقد ذكر التقرير أنّ "هناك معلومات واضحة ومقنِعة بأن بعض المختطفين/ات قد تعرّضوا للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب الجنسي، وأن هناك أساسًا معقولًا للاعتقاد بأن من بقين في الأسر ما زلن معرّضات لخطر الاعتداء الجنسي".
في التحقيقات المعمّقة التي جرت خلال الأشهر التي مرّت منذ نشر ورقة الموقف في تشرين الثاني، تمّ تفنيد بعض الشهادات الواردة فيها – أو تعريفها بأنها غير قابلة للإثبات – ومن الممكن أن يتم تفنيد شهادات أخرى مستقبلاً. نحن نأسف على استخدامنا إياها. وفي الوقت نفسه، كما ذكرنا، فقد تمّ جمع ونشر الكثير من المعلومات التي لم تكن معروفة وقت كتابة الورقة، ولكنها تعزّز دعوتنا الأصلية للتحقيق في الموضوع. وجب القول إنه من المعروف والمتفق عليه بين المهنيين – وتحديدًا بسبب ذلك – أن الذاكرة التي تتعرّض لصدمة لا تكون منظّمة بطبيعتها، وغالبًا ما يتم التعبير عنها بشكل غير مكتمل ومشوّش، بل وحتى بشكل فيه تناقضات – لذلك فليس صحيحًا ولا عادلًا أن يتم النقاش حول مصداقية الشهود من قبل من لا يملكون المعرفة والأدوات المناسبة لذلك. بناءً عليه، وفيما يتعلق بهذا الموضوع، فإننا سنشير من الآن فصاعدًا إلى تقرير باتن، وإلى تقارير ووثائق تصدرها جهات تحقيق مؤهلة بذلك، في حال صدورها. من جانبنا، فإننا سنواصل متابعة نتائجهم وتقاريرهم، واستخلاص الاستنتاجات المهنية المطلوبة.
من المهم القول إنه ومنذ السابع من تشرين الأول، تقوم الحكومة الإسرائيلية وأطراف أخرى، باستخدام التقارير المتعلّقة بالعنف الجنسي المستخدم في ذلك الهجوم بطريقة مضللة، كجزء من حملة تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وكأداة دعائية لتبرير الهجوم العسكري الوحشي على قطاع غزة، والذي شمل وما يزال يشمل قتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، والتهجير والتجويع المتعمّد لمعظم سكان القطاع، والتدمير واسع النطاق للبنى التحتية المدنية، بما في ذلك البنى التحتية الصحية. إننا مصدومون من هذا الاستخدام الساخر لمحنة الضحايا، نأنفه ونعتبره خسارة لأي بوصلة أخلاقية.
نعود ونؤكّد على ما يلي: إنّ العنف الجنسي والاتهامات بالعنف الجنسي ينبغي ألا يكونوا سلاحًا في الحرب أو أداة للحرب الدعائية. كمنظمة تعنى بحقوق الإنسان، سنقف دائمًا إلى جانب الضحايا، وسنحذّر من أي اشتباه بإيذائهم/نّ أو انتهاك حقوقهم/نّ، وسنفعل ذلك دائمًا بشكل موضوعي غير معتمد على حدوث انتهاكات من قبل الطرف المقابل. إن هذا هو واجبنا، وسنواصل السعي من أجل تحقيقه قدر الإمكان.